قراءة إعلامية لبرامج قناتنا الوطنية

الموت الأبشع و الأكثر تطرفا ليس ذلك الذي يأتينا في مواجهة مكشوفة مع أسباب الحياة، بل الذي يأخد منا أشيائنا الإنسانية و لا يترك لنا غير الأجساد محشوة بأسباب الحزن و البكاء، موت آخر غير الذي يعرفه البشر يسكن بيننا في خلاء تندوف، يقاسمنا القوت و يسكن العقول و الأحياء و الخيام و القرارات… يداهمنا كالقضاء عبر أبواق القيادة التي ندمنها بوفاء كبير بعد أن برعت في تجميل مآسينا و جعلها أكثر إثارة و أكثر إغراء من الإنتصار الذي تغنينا عنه قناتنا الوطنية.

فالموت عند العارفين له درجات أعلاها موت الضمير ثم موت القلب فموت الروح، و بعده قد يضل الإنسان على قيد الحياة، لكنه يكون قد فارق الإنسانية إلى المتوى الأخير، و ما أكثر الأحياء الأموات الذي يعيشون بيننا في المخيمات، ذلك أن القاتل الذي يفعل هذا بالشعب الصحراوي ليس غير القناة الوطنية التي تعد أحد أبواق الموبوءة للقيادة، و التي ما كان لنا أن نعرف فحش أسلوبها الإعلامي من غير أن نضعها على صعيد واحد في منصة المقارنات مع قناة الرحيبة. 

و حتى لا نبخس أحدا مميزاته الإعلامية و لا نضيع أجر المجتهدين هنا و هناك، وجبت منا كلمة حق لقناة الرحيبة، ليس إعلاءً لشأنها بل تشخيصا لمرضنا الإعلامي الذي أبى أن يمنحنا حق الشفاء، حيث و إن كانت قناة الرحيبة تنتمي إلى القطب العمومي للعدو، إلا أن خطها التحريري الذي نراه نحن “وحدوي- معادي” ضل يشكل إستثناءا في الإعلام، و نحن كلنا على بيّنةٍ من هذا الأمر فيما يقابل هذا لدينا في الإعلام الرسمي لقيادتنا غياب مطلق لخط تحريري واضح، إذ تمضي قناتنا الوطنية يومها في قراءة مراسلات “الزعيم” مع “بن كي مون” و المجاملات مع بوتفليقة و الرؤساء الأفارقة و لا تنقل لنا من التقارير الدولية غير بعض العبارات التي تحرف عن معانيها ليفهمها لتزف إلى الشعب كنصر عظيم، كما قال هتلر يوما “اجعل الكذبة كبيرة وبسيطة و واظب على نقلها بين الناس، وفى نهاية المطاف فسوف يصدقها الناس”.

و في الوقت الذي تبث فيه قناة الرحيبة تفاصيل اللقاءات و التقارير و تعكف على إنتاج برامج حوارية لا تقل شأنا عن البرامج التي تبثها كبريات القنوات الإخبارية العربية و الدولية و تحترم المشاهد بوضعها كل شيء بين يديه و تترك له حق الإختيار، الذي سلب من الشعب الصحراوي منذ فوتنا لقيادتنا الحقوق الحصرية للقضية.

لكن هذا الإختلاف لم يأتينا من فراغ، بل هو سليل الأسباب التي تراكمت على الأسباب و منحتنا حالنا الإعلامي المتردي الذي يسكن الطبق التحت أرضي للضمير البشري، فإذا كان نصف ساكنة المخيمات عادت إلى الأراضي المحتلة زاهدة في مصائب القيادة، فإن النصف الباقي هاجر المخيمات فكريا و اقتنع بما تقوله قناة الرحيبة و ما عاد لبقائه هناك من فائدة، و هذا أقرب إلى إحدى المستملحات التي تحكي في إسبانبا عن لاعب برشلونة “ميسي”، إذ يقولون أنه في أحدى المباريات في البطولة الإسبانبة أمتع نصف العالم الذي يدعم فريق البرشلوني و قبل نهاية المباراة أضاع ضربة جزاء ليستمتع النصف الآخر، فحاز إعجاب الطرفين.

Comments are closed.

%d مدونون معجبون بهذه: