الجزائر بين فشل السياسة الأمنية و نظرية المؤامرة.

إذا كانت الجزائر قد استنفذت كل حلولها الأمنية و لم تستطع بتر يد الإرهاب الطويلة و لا منح الشعب الإحساس بالأمان الذي يعتبر واجب الدولة الأول، فقد اهتدى أخيرا القائمون على الشأن الجزائري إلى أن الوضع المتردي هو نتاج مؤامرة خارجية تمكنت من اختراق الأجهزة و المجتمع الجزائري و نجحت في توجيه دفة الإسلاميين لضرب استقرار الأمة الجزائرية و حرمانها من نعمة الأمان، هذا الأمر دفع بالمتتبعين لقضية الإرهاب الذي استباح حرمات الجزائر، إلى إخضاع سياسته هذا البلد لمنطق التحليل، لفهم الأسباب التي دفعت بهم لإبدع نظرية المؤامرة الخارجية في محاولة من النظام للهروب قدر المستطاع… إلى الأمام.                   

فالسياسة الأمنية الجزائرية التي حكم عليها التاريخ بالفشل، بل و يحتفظ التاريخ الحديث بذكريات سيئة للدولة الجزائرية التي تآمرت على الشعب و عاقبته على اختيار جبهة الإنقاذ خلال التسعينيات، و هو الأمر الذي كشفه خبراء عالميين كان بينهم خبراء جزائريين و أوروبيين ترأسهم عباس عروة، حيث أصدروا بحثهم الذي اعتبرته أوروبا الرواية الرسمية للإرهاب في الجزائر، فقد أدان ذلك التحقيق المؤسسة العسكرية، و هذا ما أكده كذلك كتاب الحرب القذرة لرجل المخابرات الهارب “حبيب سويدية” و كذلك الشهادة المتلفزة للعقيد محمد سمراوي الشهير بلقب “لحبيب”.

لكن هدفنا ليس البحث في الحدائق الخلفية للنظام الجزائري، بل شرح هذا الفشل الغير مبرر للسياسة الأمنية الحالية بهذا البلد الذي يعنينا كثيرا كصحراويين، حيث أنها سياسة تمثل رشاحة الأساليب الأمنية العنيفة لدول العالم الثالث و التي تمكنت معظمها من من إعادة صياغة برامج أمنية أكثر أنسنة و ذات مقاربات مبنية على تحقيق السلم الاجتماعي

هذه المقاربة التي تم تغييبها لغرض ما في النهج الأمني الجزائري، بغرض الحفاظ على الحكم العسكري، مستعينين في ذلك بنشر الرعب المذهبي بين المواطنين من خلال إظهار الفرقاء الإسلاميين الجزائريين بصورة مرعبة و ربطهم بالمجازر التي حدثت و لا تزال تحدث، و اعتبار أن الإسلاميين الجزائريين يحاولون “أفغنة” الجزائر.

لكن الواقع اليوم يقول بأن الجزائر أخطأت الهدف عندما فضلت المواجهة مع تلك التيارات عوض الحوار و المراقبة و الاستخبار لفهم توجهاتهم و كذلك لتكوين بنك معرفي يسمح بإجراء تدخلات محدودة الدمار و ذات فعالية عالية، كما هو الحال اليوم مع الدول المجاورة للجزائر و التي اختارت الطريق الأنسب، ثم أن خيار المواجهة جعل الإرهاب في الجزائر يكسب عامل الثقة بعد أن أظهر الجيش الجزائري ضعف كبير في معالجة المواجهات التي تعتمد حرب العصابات و أسلوب المداهمات، و أبان عن قصور كبير رغم العتاد الهائل، ثم أن بعض الروايات لموقوفين أكدوا تورض الجزائر في تسليح تلك الجماعات، و أن بعض الجنرالات تمكنوا من تمرير العتاد الحربي الليبي المنهوب من ليبيا إلى مقاتلين ينشطون بمنطقة الساحل و الصحراء.

 بعد هذه القراءة يتوضح أن الجزائر تجدت نفسها تغوص وحيدة في مستنقع الإرهاب، مما جعل القادة بهذا البلد يبتكرون رؤيا جديدة تتمثل في المؤامرة الخارجية لتغطية الفشل الأمني الدريع الذي أصبح يقلق الشعب الجزائري الناقم على النظام الغارق في الحسابات السياسية حتى أخماص شعره و العاجز حتى لحظة كتابة هذه السطور عن إيجاد رجل سوي يعوض الرئيس المريض.

Comments are closed.

%d مدونون معجبون بهذه: